الطاقة العصبية: تحويل إشارات الدماغ إلى مصدر بديل للكهرباء

 


المقدمة



في ظل البحث العالمي عن مصادر جديدة ومتجددة للطاقة، يظهر اتجاه مبتكر يجمع بين علم الأعصاب والهندسة الحيوية: الطاقة العصبية. هذه الفكرة الثورية تقوم على استغلال الإشارات الكهربائية التي يولدها الدماغ والجهاز العصبي البشري كمصدر بديل للكهرباء.

قد يبدو هذا الطرح أقرب إلى الخيال العلمي، لكنه أصبح اليوم محورًا للأبحاث العلمية والتجارب المخبرية، مما يجعله مرشحًا ليكون أحد أهم مجالات الطاقة المستقبلية. فما هي الطاقة العصبية؟ وما الذي يمكن أن تقدمه للعالم الرقمي والطبي والصناعي؟





ما هي الطاقة العصبية؟



الطاقة العصبية هي عملية تحويل الإشارات الكهربائية الحيوية التي ينتجها الدماغ والأعصاب إلى طاقة قابلة للاستخدام.

الدماغ البشري يحتوي على نحو 86 مليار خلية عصبية (عصبون)، وكل خلية قادرة على إنتاج إشارات كهربائية صغيرة تُعرف باسم “جهد الفعل”. عند تجميع هذه الإشارات وتحويلها عبر تقنيات معينة، يمكن استخراج طاقة كهربائية محدودة.



كيف تعمل؟



الإشارات العصبية: كل عصبون يصدر نبضات كهربائية تتراوح بين 70-100 ميلي فولت.

التقاط الإشارات: يتم زرع أقطاب دقيقة أو مستشعرات على فروة الرأس أو مباشرة داخل الدماغ.

التحويل: تمر الإشارات عبر دوائر إلكترونية متقدمة لتحويلها إلى تيار كهربائي مستمر.

التخزين: يتم تخزين هذه الطاقة في بطاريات ميكروية لاستخدامها لاحقًا.




لماذا تعتبر الطاقة العصبية ابتكارًا ثوريًا؟

مصدر طاقة متجدد وفريد

على عكس الوقود الأحفوري، فإن الدماغ البشري يولد الكهرباء بشكل دائم، حتى أثناء النوم. هذا يعني أن الطاقة العصبية مستمرة ولا تنضب.


تعزيز الأجهزة الطبية

يمكن استخدام هذه الطاقة لتشغيل الأجهزة المزروعة في الجسم مثل:


منظمات ضربات القلب.

غرسات الدماغ الخاصة بعلاج الشلل.

أجهزة مراقبة الضغط أو السكر.



توافق مع تقنيات الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي المتصل مباشرة بالدماغ قد يستفيد من هذه الطاقة، مما يفتح آفاقًا جديدة لدمج الإنسان بالآلة.


تقليل الاعتماد على البطاريات

البطاريات التقليدية تشكل تحديًا في الأجهزة الطبية المزروعة لأنها تحتاج إلى استبدال دوري، بينما الطاقة العصبية يمكن أن توفر مصدرًا طبيعيًا مستدامًا.



التطبيقات المحتملة للطاقة العصبية


الأجهزة الطبية المزروعة


يمكن للمرضى الذين يحتاجون أجهزة عصبية أو قلبية أن يعتمدوا على الطاقة العصبية لتشغيل أجهزتهم، مما يقلل من العمليات الجراحية المتكررة لتغيير البطاريات.

 

الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)



تخيل نظارات واقع افتراضي تعمل بالطاقة العصبية وتستجيب مباشرة لإشارات الدماغ، مما يجعل التفاعل أكثر طبيعية وسرعة.



الهواتف الذكية وأجهزة الاتصال



في المستقبل، قد يصبح بالإمكان شحن الهواتف المحمولة من خلال التفكير أو النشاط العصبي، بحيث يُعاد شحن الجهاز أثناء الاستخدام.



الأطراف الصناعية الذكية



يمكن تشغيل الأطراف الصناعية عبر الطاقة العصبية نفسها التي تتحكم في الحركة، مما يزيد من التوافق بين الجهاز العصبي والعضو الصناعي.





التحديات التقنية أمام الطاقة العصبية




ضعف الجهد الكهربائي



الإشارات العصبية صغيرة جدًا ولا تكفي لتشغيل أجهزة كبيرة. الحل يكمن في تطوير تقنيات تضخيم وتحويل للطاقة.



التحديات الأخلاقية



استخدام الدماغ كمصدر للطاقة يثير تساؤلات:

هل يمكن استغلال البشر كمولدات للطاقة؟

هل سيُستخدم ذلك في مجالات عسكرية؟




السلامة الصحية



زرع الأقطاب داخل الدماغ قد يسبب التهابات أو تلفًا في الخلايا العصبية، لذا تحتاج التقنية إلى تطوير أكثر أمانًا.



 

التكلفة



التكنولوجيا ما زالت في مراحل تجريبية، وتكلفة تطويرها واستخدامها مرتفعة.





الطاقة العصبية بين الخيال العلمي والواقع



في أفلام مثل The Matrix، تم تصوير البشر كمصدر للطاقة. قد يبدو هذا سيناريو سوداويًا، لكن العلم اليوم يسعى إلى استخدام الطاقة العصبية في خدمة الإنسان لا في استغلاله.

الفرق الأساسي هو أن التقنية الحديثة تركز على دعم الطب والصحة والتواصل الرقمي، لا على استنزاف الإنسان.





مستقبل الطاقة العصبية



خبراء الأعصاب يتوقعون أن تصل هذه التكنولوجيا إلى مرحلة تجريبية عملية خلال 20-30 سنة القادمة.

في البداية ستقتصر على المجال الطبي.

لاحقًا قد تصل إلى الإلكترونيات الاستهلاكية مثل الهواتف والحواسيب.

مستقبلًا قد تصبح جزءًا من المدن الذكية حيث يكون الدماغ متصلًا بشبكات الكهرباء الصغيرة.






الخاتمة



الطاقة العصبية ليست مجرد خيال علمي، بل توجه علمي جاد قد يحدث ثورة في طريقة تعاملنا مع الكهرباء والطاقة.

من الأجهزة الطبية إلى الذكاء الاصطناعي، ومن الأطراف الصناعية إلى الاتصالات، يمكن لهذه التقنية أن تفتح عصرًا جديدًا من التفاعل بين الإنسان والآلة.

لكن يبقى أمامها تحديات كبيرة تتعلق بالأمان، والأخلاقيات، والتقنيات اللازمة لتكبير الإشارات العصبية الضعيفة.

إذا نجحت البشرية في تجاوز هذه التحديات، فإن الدماغ البشري قد يصبح يومًا ما ليس فقط مركزًا للفكر والإبداع، بل أيضًا محطة توليد طاقة متجددة.


المراجع



  1. Harvard University – Wyss Institute for Biologically Inspired Engineering. Brain Energy Harvesting Research.
  2. IEEE Spectrum. How Scientists Are Turning Brain Signals Into Power. Link.
  3. National Institutes of Health (NIH). Bioelectronic Medicine and Neural Engineering. Link.
  4. ScienceDaily. Brain-Computer Interfaces and Energy Harvesting Breakthroughs. Link.
  5. Nature Neuroscience Journal. Advances in Neural Signal Processing and Power Conversion. Link.


 










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المواد الذكية فائقة التكيف: كيف ستغير الصناعات من البناء إلى الطب؟

دليلك العملي لإستخدام الذكاء الاصطناعي في السعودية 2025 – خطوات واقعية لتحقيق أقصى استفادة

الذاكرة الرقمية الخالدة: كيف يمكن للتقنيات المستقبلية أن تحفظ عقول البشر بعد وفاتهم؟

الذكاء الاصطناعي والعمل الحر: شراكة ذكية تفتح لك أبواب النجاح

الطاقة الحيوية الرقمية: كيف يمكن للجسم البشري أن يشحن الأجهزة الإلكترونية؟

أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي: كيف تغيّر حياتنا وطريقة عملنا

المدن الإدراكية: كيف سيغير الذكاء الاصطناعي الحسي طريقة عيشنا في المستقبل؟

الرقائق العصبية: أجهزة تحاكي الدماغ لتسريع الذكاء الاصطناعي

الضمير الرقمي: هل يجب أن نُعلّم الذكاء الاصطناعي الأخلاق؟